الجمعة، 23 مارس 2012

قبيله سحّار وموطنها في المخلاف السليماني


من خلال هذه السطور نلقي الضوء على قبيله سحار والتى تسمى بها بلاد سحار التهاميه المحتله من اليمن  وهى احدى قبائل المخلاف السليماني

يتساءل كثير من الأخوة والزملاء عن (سحّاري) من أين؟ وإلى أي شيء ينسب؟ وذلك لأنهم يسمعون كثيراً هذا الاسم في المدارس والجامعات والوزارات وغيرها من مراكز التعليم ومقر الأعمال، ثم إني لم أر أحداً أجاب عن هذا السؤال جواباً شافياً، وبيّنه بياناً كافياً، مما حدا ببعض الناس إلى الاجتهاد على غير بصيرة فنجد من يقول: إنهم نسبوا إلى السحر، وآخر يقول: نسبوا إلى أجدادهم، وهناك من يقول: نسبوا إلى قبيلة معينة، ولكثرة من يسألني عن هذا الأمر، رأيت أن من المهم جداً أن أكتب عن (سحّار) من حيث خبرتي ومعرفتي بها، لأنني أحد أبنائها من وجه، ومن وجه آخر: أردت الجواب عن هذا السؤال الذي حيّر كثير، فأقول:
سحّار: بسينٍ مهملة، وحاء مشددة، وألف ثم راء، والأصل بالصاد: صحّار، ثم قلبت سيناً، لكثرة الاستعمال طلباً للتخفيف، وهم من قبائل خولان بن عامر في بلاد صعدة كما ذكر الشيخ ابراهيم بن أحمد المقحفي - رحمه الله - في (معجم المدن والقبائل اليمنية) المطبوع بصنعاء قبل نحو اثنين وعشرين سنة، ثم نزحت هذه القبيلة إلى المخلاف السليماني في عهد الشريف حمود كما ذكر ذلك الشيخ عبدالرحمن بن أحمد البهكلي في (نفح العود في سيرة دولة الشريف حمود) وأتمه الشيخ الحسن بن أحمد المعروف ب (عاكش) مؤيداً له على ما ذكر، سائراً على منهجه كما سار السيوطي على منهج شيخه المحلي في (تفسير الجلالين).
وهذه القبيلة برز فيها كثير من العلماء، ولكنهم لم يشتهروا ولم يُترجم لهم لسببين: أحدهما:
أنهم لما قدموا من اليمن (صعدة) ابتعدوا عن العلماء هناك فانقطعت الصلات، ولم تعرف أخبارهم، فصنف الشيخ محمد بن محمد زيارة كتابه (نيل الوطر من تراجم رجال اليمن في القرن الثالث عشر) ولم يذكر فيه أحداً منهم.
السبب الثاني: أنهم لما قدموا إلى المخلاف السليماني (جازان) لم يمكثوا في قلب المنطقة، فلم يعرفوا، ولذلك الذين صنفوا في تاريخ المخلاف السليماني آنذاك كالبهكلي وعاكش لم يترجموا أحداً منهم، وكذلك الزركلي في (الأعلام) لم يذكر أحداً منهم مع أنه ترجم للكثير من علماء وشعراء تهامة، وإنما صادف وجودهم في أبي عريش أثناء حرب الشريف حمود مع خصومه، كما ذكر الأستاذ علي بن حسين الصميلي في كتابه (العلاقة بين أمراء أبي عريش وأمراء عسير في القرن الثاث عشر) ثم عادوا إلى الجبال التي تقع غرب العارضة وتعرف الآن ب (جبال العبادل) وهي سلسلة جبال تبدأ من العارضة وتنتهي بجبال (آل محمد) كما هو معروف لمن زار جازان.
وصارت قبيلة سحّار من أشهر قبائل العبادل السبع المعروفة عند أبناء المنطقة، الذين لهم خبرة بالأنساب والبلدان هناك، وقد أقيم حفل تعريفي بهذه القبائل في محافظة (القصبة) ضمن الاحتفالات التي اقيمت بمناسبة مرور مئة عام على توحيد هذه البلاد عام 1419ه. وكنت آنذاك حاملاً راية (سحّار) وأنا لا أزال في الصف الأول المتوسط، وأذكر ذلك كأنه حدث يوم أمس. ثم إن سحّار أصبحت قرية كبيرة تقع بين جبلين في شمال ملتقى الحدود الفاصلة بين الدولتين، ولا أبالغ إن قلت: لا يعرف أولها آخرها من كثرتهم، وفيها مدرسة كبرى تعرف باسم (مدرسة سحّار الابتدائية والمتوسطة والثانوية) تأسست عام 1395ه، درس فيها كثير من الآباء والأجداد وتخرج فيها كثير من الأساتذة والزملاء، وأكثرهم الآن أساتذة في اللغة العربية في المدرسة وبعضهم هنا في الرياض، وبعضهم في الشمال والشرق، وسحّار مشهورة في (جازان) لا يجهلها أحد، بل هي أشهر قبائل العبادل على الإطلاق، لكثرة من فيها من الأعيان والوجهاء وأصحاب الأعمال وغير ذلك. وتعنى بها المنطقة أكثر من غيرها، وتقام فيها الدورات المكثفة والنشاطات المختلفة والأمسيات الشعرية واللقاءات الأدبية ودورات تحفيظ القرآن وغيرها.
وهي مشهورة كذلك بين الشعراء والأدباء، حتى أكثر الشعراء من وصفهها، واثنى على أهلها، وانبهر من روعتها، وافتتن بها كل من درّس فيها حتى قال أحد الشعراء والأساتذة واصفاً لها، وهو ممن درس فيها واسمه: حامد صميلي:
فاح الشذا والعطر والأزهار
وسمت بك الأقمار يا (سحّار)
غنت بك الأطيار في أعشاشها
وتنفست بنسيمك الأسحار
وهي قصيدة طويلة تقع في ثلاثين بيتاً، ألقاها بمسمع مني ولكن لا يحضرني منها الآن سوى هذين البيتين. وقبل وقت قريب وصلتني قصيدة من أحد الأساتذة الشعراء الذين درّسوا بها أيضاً يسمى: العباشي في مدحها والثناء على أهلها، وطلب مني المرسل إبداء الرأي فيها، ومن ثم معارضتها يقول فيها:
يا جنة في خيالي بت أطلبها
وبت أنظم أشجاني وأشعاري
ويا التقاء جمال قل مبعثه
يأوي إلى الروح يستجدي بتذكاري
أواه يا لوحة في الروح ارسمها
ويا انتشاء فنوني في هوى الساري
كم كنت أحسد من قالوا بمسكنها
واليوم يحسدني أهلي وزواري
أنت الكريمة يا (سحّار) أعلنها
وأنت أنت رياحيني وأزهاري
فقلت معارضاً لها وأرسلتها للأخ المرسل وهو من زملائنا إلى (النادي الأدبي):
قصرت في المدح ليست جنة طلبت
(سحّار) مجموع جنات وأنهار
(سحّار) لا تكتفي بالشعر تنظمه
ولا الدواوين من نثر وأشعار
هيهات أشعارنا سارت وما بلغت
من قمة الحسن فيها ربع دينار
جمالها طار في الآفاق من زمن
فكيف تحبسه في محتوى الدار
وزادها زينة من بعد زينتها
تاريخها كم حوت من ضيغم ضاري
(سحّار) في القلب والعينين نحفظها
أيامها ذكرتنا يوم ذي قار
طف المعالم في الدنيا على عجل
ولتأتني بحبيب مثل (سحّار)
والنسبة إليها (سحاري) على القياس، بزيادة ياء النسب المشددة، وأما سبب تسميتها بهذا الاسم، فأقوال في ذلك: منها: أنها أصل لاسم القبيلة كما يقال: (همدان) و(قحطان) و(عدنان) ونحو ذلك، وقيل: انها اسم للقرية التي ذكرتها سابقاً من أعمال (جازان)، وقيل: لا، بل نسبة إلى بليدة في اليمن في صعدة تسمى (صحار) وقلبت الصاد سيئاً كما تقدم. وقيل: بل أحد أجدادهم كان يسمى (صحّار) فنسبوا إليه عن آخرهم ولبت الصاد إلى سين كما مضى لكثرة الاستعمال.
وقيل: نسبة إلى سحر البيان (السحر الحلال) الذي تطرب الآذان عند سماعه، وليس السحر المحرم الذي منه الصرف والعطف، فهذا شرك والعياذ بالله.
وهذا القول هو الذي اختاره، لأن هذا مشاهد وموجود هناك، واذهب وانظر هل هذا صحيح أم لا؟ مع أن الأكثر على القول وأن (سحّار) أصل وضع لاسم القبيلة، والأسماء لا تعلل، وبعضهم قال بالأقوال كلها، وأنه لا تعارض بينها فيمكن وقوعها جميعاً، وهذا في الحقيقة قول له وجاهته.
وقد دار بيني وبين أحد الزملاء والأحبة حوار شعري حيث كان اسمه فيه نوع من التشاؤم فقلت ممازحاً له: لو غيّرت: فقال لي:
اقول لكم إني من الحق استقي
وليس بضير الحق أن ليس في النطق
فرددت عليه:
ولكن بأسماء الرجال تفاؤل
فيكره حرب ثم حزن، كذا مشقي
وحبب سلمان وسهل ونحوه
وربك ينهانا عن البول في الشق
فرد علي مغضبا:
وأنت أما آبت فعالك عن ردي
بها السحر مذكور بأشام من رتق
ف (سحار) من سحر صفيق مكدب
لعلك لا تجزع لقول من الصدق
فرددت عليه:
وأما أنا جبران والجد جابر
وسلمان هذا والدي قول ذي حق
و(سحّار) من سحر البيان اشتقاقها
فهل بعد هذا من تفاؤل ذي حذق؟
فلم يرد علي بعد ذلك، فخشيت أن يكون غضب فرددت عليه:
ولكنني أحببت مزحاً كما ترى
وحبك في قلبي يدل على صدقي
فالشاهد: أن سحّار من سحر البيان الذي يسحر الألباب، وتسكر منه الأسماع، وإن كانت الأسجاع، لا تشبع من جاع، فالكرم موجود في تلك الرباع، فهي حقاً كما قيل: ذات رياض أريضة، وأهوية صحيحة مريضة، غنت أطيارها، وتمايلت أشجاره، وبكت أنهارها وضحكت أزهارها، وطاب نسيمها، فصح مزاج إقليمها، أطفالها رجال، وشبابها أبطال وشيوخها أبدال. فلو علم بها (امرؤ القيس)، لحدا نحوها العيس، ولو رآها (حسان) لقال: فيها كل الإحسان، ولو رآها (عمر بن أبي ربيعة)، لخر قتيل الجمال وصريعه، ولو رآها (الحطيئة)، لسلم من هجائها ونجا من الخطيئة، ولو رآها (أبو تمام)، لقال: هذه والله تمام، ولو رآها (المتنبي)، لقال: صبحا منبي، ولو رآه (الصاحب بن عبّاد)، فقال: نعم البلاد، إليها تضرب أكباد، ولو رآها (النظام)، لما اختل عنده النظام، ولو سمع (الجاحظ) بيانها، لعظم بنيانها، وصنف فيها (البيان والتبيين)، وأودع في سلكه منها التحسين والتزيين، ولم أمدحها لأني منها، وقد ابتعدت عنها، ولكن ليرتديها الزوار، ويستمتع بها الأخيار، وصلى الله على نبينا المصطفى المختار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق